كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال ابن عربي‏:‏ من أفسد شيئاً بعد إنشائه جاز أن يعيده كما يراه إذا قامت اللطيفة الروحانية بجزء من الإنسان فقد صح عليه اسم الحيوان والنائم يرى ما لا يراه اليقظان وهو إلى جانبه‏.‏

- ‏(‏حم ق د ن عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

2073 - ‏(‏إن العبد‏)‏ أي المؤمن ذا البصيرة ‏(‏آخذ عن اللّه أدباً حسناً‏)‏ وهو أنه ‏(‏إذا وسع عليه‏)‏ أي وسع اللّه عليه في رزقه ‏(‏وسع‏)‏ على نفسه وعياله ‏(‏وإذا أمسك‏)‏ اللّه ‏(‏عليه‏)‏ أي ضيق ‏(‏أمسك‏)‏ لعلمه بأن مشيئة اللّه في بسط الأرزاق وإضاقتها تابع للحكمة والمصلحة فهو يتلقى ما قسم له بالرضى ويجري على منواله في الاتساع والإنجماع قال مجاهد‏:‏ من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد-أي ينبغي له أن ينفق بقدر ما رزقه اللّه من غير ضجر ولا قلق ويعلم أن مشيئة اللّه في بسط الرزق وضيقه لحكمة ومصلحة- أي في الإنفاق فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل وهو ما ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأولن ‏{‏وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه‏}‏ فإن هذا في الآخرة‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث جعفر بن كزال بن إبراهيم بن بشير المكي عن معاوية بن عبد الكريم عن أبي حمزة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ثم قال أبو نعيم غريب من حديث معاوية مسنداً متصلاً مرفوعاً وإنما يحفظ من قبل الحسن انتهى وجعفر بن محمد بن كزال قال الذهبي قال الدراقطني ليس بقوي وإبراهيم بن بشير المكي ضعيف ومعاوية قال أبو حاتم لا يحتج به ورواه البيهقي أيضاً من هذا الوجه ثم قال هذا حديث منكر

2074 - ‏(‏إن العجب‏)‏ بضم فسكون وهو نظر الإنسان إلى نفسه بعين الاستحسان ‏(‏ليحط‏)‏ بضم التحية أي يفسد ويهدم ‏(‏عمل سبعين سنة‏)‏ أي مدة طويلة جداً فالمراد بالسبعين التكثير على وزان ما قيل ‏{‏في سسلسلة ذرعها سبعون ذراعاً‏}‏ وذلك لأن المعجب يستكثر فعله ويستحسن عمله فيكون كمن أصابه عين فأتلفته ولهذا قال الحكماء‏:‏ العجب إصابة العمل بالعين وسيجيء خبر إن العين تدخل الرجل القبر فكما أن العين تميت الإنسان فكذا تميت أعماله وتبطل أفعاله وربما استحكمت الغفلة على الإنسان فرأى طاعته بحوله وقوته ولا يرى للّه عليه منة في إحداث القوة لها وخلق الاستطاعة لكسبها فإن الذي يدخل عليه في اعتقاده أكثر مما يدخل عليه من العجب بأفعاله قال بعض العارفين‏:‏ من أعجبته نفسه وأحوالها لا بثبت له قدم في العبودية لأنه مراء في أفعاله وأحواله فهو واقف مع وجوده وإيجاده وعزه في نفسه فهو لا ينتفع بعلم ولا ينفعه عمل قال الغزالي‏:‏ والناس في العجب ثلاثة أصناف صنف هم المعجبون بكل حال وهم القدرية والمعتزلة الذين لا يرون للّه عليهم منة في أحوالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص لشبه استولت عليهم وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشيء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به وصنف مخلطون وهم عامة أهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة اللّه وتارة يغفلون فيعجبون لمكان الغفلة العارضة والقترة في الاجتهاد والنقص في البصيرة إلى هنا كلام الغزالي ثم نقل بعد ذلك عن شيخه إمام الحرمين أن العجب يذهب إضعاف العمل فقط‏.‏

قال في المناهج وعرف بعضهم العجب بأنه استعظام النعمة مع نسيان إضافتها للمنعم ويتولد الكبر منه ومن آفاته نسيان الذنوب لظنه الاستغناء بسبب إعجابه بنفسه والعمى عن آفات الأعمال فيضيع عمله لأنه إذا لم يفتقده لم يخرج من شوائب الإبطال فلذلك قال إنه يحبطه قالوا والمعجب يمنعه إعجابه من الاستفادة والاستشارة واستماع النصح ويجره إلى احتقار الخلق والعمى عن وجه الصواب في دينه ودنياه‏.‏

- ‏(‏فر‏)‏ عن الحسين بن علي أمير المؤمنين وفيه موسى بن إبراهيم المروزي أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الدارقطني متروك‏.‏

‏[‏ص 376‏]‏ 2075 - ‏(‏إن العرافة‏)‏ بالكسر وهي تدبر أمر القوم والقيام بسياستهم والعريف هو القيم بأمر القوم الذي عرف بذلك وشهر ‏(‏حق‏)‏ أي أمر ينبغي أن يكون لما تدعو إليه المصلحة بل الضرورة ‏(‏ولا بد للناس‏)‏ في انتظام شملهم واجتماع كلمتهم ‏(‏من العرفاء‏)‏ ليتعرف الأمير من العريف حال من جعل فيما عليه من قبيلة أو أهل محلة ليرتب البعوث والأجناد ‏(‏ولكن العرفاء في النار‏)‏ أي عاملون فيما يقودهم إليها أو المراد الذين لم يعدلوا وعبر بصيغة العموم إجراء للغالب مجرى الكل ومقصوده التحذير من التعرض للرياسة والتأمر على الناس لما فيه من الفتنة التي قلما يسلم منها عريف ووضع الظاهر موضع المضمر إيذاناً بأن العرافة على خطر ومباشرها على شفا جرف هار‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الخراج من حديث غالب القطان ‏(‏عن رجل‏)‏ من الصحابة وفيه قصة قال الصدر المناوي فيه مجاهيل‏.‏

2076 - ‏(‏إن العرق‏)‏ بالتحريك الرشح من البدن ‏(‏يوم القيامة‏)‏ في الموقف ‏(‏ليذهب في الأرض سبعين باعاً‏)‏ أي ينزل فيها من كثرته شيء كثير جداً فالسبعين للتكثير لا للتحديد على ما مر ‏(‏وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس‏)‏ أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام فيمنعهم من الكلام ‏(‏وإلى آذانهم‏)‏ بأن يغطي الأفواه ويعلو عليها إذ الأذن أعلى من الفم فيكون الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يلجمه فقط ومنهم من يزيد فيبلغ إلى أذنيه ثم يحتمل أن المراد عرق نفسه خاصة ويحتمل غيره كما مر فيشدد على بعض ويخفف عن بعض وهذا كله لتزاحم الناس وانضمام بعضهم لبعض حتى صار العرق يجري كالسيل واستشكل بأن الجمع إذا وقفوا في ماء على أرض معتدلة فتغطيهم على السواء وأجيب بأن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة وسبب كثرته تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وكل عرق لم يخرجه التعب في سبيل اللّه من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد في قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر يستخرجه الحياء والخوف في صعيد يوم القيامة‏.‏

- ‏(‏م عن أبي هريرة‏)‏ وفي الباب غيره أيضاً‏.‏

2077 - ‏(‏إن العين‏)‏ أي عين العائن من الإنسان أو الجان ‏(‏لتولع‏)‏ بالبناء للمفعول أي تعلق ‏(‏بالرجل‏)‏ أي الكامل في الرجولية فالمرأة ومن هو في سن الطفولية أولى ‏(‏بإذن اللّه تعالى‏)‏ أي بتمكينه وإقداره ‏(‏حتى يصعد حالقاً‏)‏ بحاء مهملة أي جبلاً عالياً ‏(‏ثم يتردى‏)‏ أي يسقط ‏(‏منه‏)‏ لأن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل به فتضره وقد خلق اللّه تعالى في الأرواح خواص تؤثر في الأشباح لا ينكرها عاقل، ألا ترى الوجه كيف يحمر لرؤية من يحتشمه ويصفر لرؤية من يخافه وذلك بواسطة تأثير الأرواح، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة بل التأثير للروح فحسب، قال ابن القيم‏:‏ ومن وجه بأن اللّه تعالى أجرى العادة بخلق ما يشاء عند مقابلة عين العائن من غير تأثير أصلاً فقد سد على نفسه باب العلل والتأثيرات والأسباب وخالف جميع العقلاء‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ قالوا قد تصيب الإنسان عين نفسه قال الغساني نظر سليمان بن عبد الملك في المرآة فأعجبته نفسه فقال كان محمد صلى اللّه عليه وسلم نبياً وكان أبو بكر صديقاً وعمر فاروقاً وعثمان حبيباً ومعاوية حليماً ويزيد صبوراً وعبد الملك سائساً والوليد جباراً وأنا الملك الشاب فما دار عليه الشهر حتى مات‏.‏

- ‏(‏حم ع عن أبي ذر‏)‏ قال الهيثمي رجال أحمد ثقات ‏[‏ص 377‏]‏ ورواه عنه أيضاً الحارث بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما‏.‏

2078 - ‏(‏إن الغادر‏)‏ أي المغتال لذي عهد أو أمان ‏(‏ينصب‏)‏ في رواية يرفع ‏(‏له لواء‏)‏ أي علم ‏(‏يوم القيامة‏)‏ خلفه تشهيراً له بالغدر وإخزاء وتفضيحاً على رؤوس الأشهاد ‏(‏فيقال‏)‏ أي ينادي عليه في ذلك المحفل العظيم ‏(‏ألا‏)‏ إن ‏(‏هذه غدرة فلان‏)‏ أي علامة على غدرة فلان ‏(‏ابن فلان‏)‏ ويرفع في نسبه حتى يتميز عن غيره تمييزاً تاماً وظاهره أن لكل غدرة لواء فيكون للواحد ألوية بعدد غدراته، وحكمة نصب اللواء أن العقوبة تقع غالباً بضد الذنب والعذر خفي فاشتهرت عقوبته بإشهار اللواء‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق د ت عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2079 - ‏(‏إن الغسل يوم الجمعة‏)‏ بنيتها لأجلها ‏(‏لسيل‏)‏ أي يخرج ‏(‏الخطايا‏)‏ أي ذنوب المغتسل لها ‏(‏من أصول الشعر استلالاً‏)‏ أي يخرجها من منابتها خروجاً وأكده بالمصدر إشارة إلى استقصائه جميع الذنوب بحيث لا يبقى منها شيئاً إلا أنه سيمر بك ما تعلم منه أن هذا ومثاله منزل على الصغائر فلا تغفل والاستلال الإخراج قال في الصحاح وغيره انسل من الهم خرج وسل السيف من غمده واستله أخرجه‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ قال الهيثمي رجاله ثقات‏.‏

2080 - ‏(‏إن الغضب من الشيطان‏)‏ بمعنى أنه المحرك له الباعث إليه ليردي الآدمي ويغويه ويبعده عن نعمة اللّه ورحمته ‏(‏وإن الشيطان خلق‏)‏ بالبناء للمفعول وحذف الفاعل للعلم به ‏(‏من النار‏)‏ لأنه من الجان الذي قال اللّه تعالى فيهم ‏{‏وخلق الجان من مارج من نار‏}‏ وكانوا سكان الأرض قبل آدم عليه الصلاة والسلام وإبليس أعبدهم فلما عصى جعل شيطاناً ‏(‏وإنما تطفئ‏)‏ أي تخمد ‏(‏النار بالماء‏)‏ لأنه ضدها ‏(‏فإذا غضب أحدكم فليتوضأ‏)‏ ندباً مؤكداً وضوءه للصلاة وإن كان متوضئاً والغسل أفضل قال الطيبي‏:‏ أراد أن يقول إذا غضب أحدكم فليستعذ من الشيطان فإن الغضب من الشيطان قصور حالة الغضب ومنشأه ثم أرشد إلى تسكينه فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع وللموانع أزجر وأردع وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ وورد الأمر بالاغتسال فيحمل على الحالة التي يشتد الغضب فيها جداً وهذا تحذير شديد من الغضب ولا ينافيه قول إمامنا الشافعي من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو جبار لأن القوة الغضبية محلها القلب ومعناها غليان دمه لطلب الانتقام فمن فرط فيها حتى انعدمت بالكلية أو ضعفت أو أفرط حتى جاوز حدها الشرعي ذمّ ذماً شديداً ومحمل كلام الشافعي الأول والحديث الثاني وسبب ذم الأول استلزامه انعدام الغيرة والحمية والأنفة مما يؤلف منه‏.‏

- ‏(‏حم د‏)‏ في الأدب ‏(‏عن عطية‏)‏ بفتح أوله وكسر المهملة الثانية وشد المثناة تحت ابن عروة ‏(‏العوفي‏)‏ صحابي نزل الشام قال في التقريب له ثلاثة أحاديث وسكت عليه هو والمنذري‏.‏

2081 - ‏(‏إن الفتنة‏)‏ أي البلاء والشر والمحنة ‏(‏تجيء فتنسف العباد نسفاً‏)‏ أي تهلكهم وتبيدهم واستعمال النسف في ذلك ونحوه مجاز قال الزمخشري‏:‏ من المجاز نسفت الريح التراب ونسفوا البناء قلعوه من أصله ‏(‏وينجو العالم منها بعمله‏)‏ ‏[‏ص 378‏]‏ الفتنة الاختبار، والعلم الذي ينجي من هذه الفتنة قد يكون بأنواع فتن النفوس بأسباب الدنيا كمال ونساء وجاه فهذه أصول الفتن فتن الدنيا وقد تكون فتنة القلوب بالبدع والأهواء فيتنوع إلى بضع وسبعين فرقة كل فرقة تدعو إلى هوى وكلها في النار إلا واحدة فتجيء فتن الدنيا إلى النفوس وفتن الدين إلى القلوب فكاد يستأصل إهلاكها والعالم الناجي بعلمه العالم باللّه العامل بتقواه وعلمه الذي ينجو به العلم بعظمة اللّه علم وجد بالقلب لا علم عقيدة فحسب علامته دوام الهيئة والخشية وثمراته تقوى اللّه بالعمل بالكتاب والسنة وترك الهوى أي العالم بعلم طريق الآخرة فإن الفتنة نوعان فتنة الشبهات وهي العظمى وفتنة الشهوات فالأولى من ضعف البصيرة وقلة العلم سيما إذا قارنه نوع هوى ومن هذا القسم فتنة أهل البدع فإنما ابتدعوا لاشتباه الحق عليهم بالباطل والهوى بالضلال ولو أتقنوا العلم بما بعث اللّه به رسوله وتجردوا عن الهوى لما ابتدعوا‏.‏ والثانية‏:‏ من النفس، فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات وأصل كل منهما من تقديم الرأي على الشرع فالأول أصل فتنة الشبهة والثاني أصل فتنة الشهوة ففتنة الشبهات إنما تدفع بكمال البصيرة واليقين وفتنة الشهوات إنما تدفع بكمال العقل والصبر والدين فمن ثم كان العالم من الناجين وما عداه من الهالكين‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن إبراهيم بن أدهم عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة الأنصاري ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ثم قال غريب من حديث أبي إسحاق لم يكتبه إلا من حديث عطية‏.‏

2082 - ‏(‏إن الفحش والتفحش‏)‏ أي تكلف إيجاد الفحش أي القبح شرعاً ‏(‏ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً‏)‏ بالضم لأن الخلق شعار الدين وحلية المؤمنين فكلما ارتقى الإنسان في درجات حسن الخلق ارتقى في معارج الإيمان ولهذا قال التاج ابن عطاء اللّه رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وأقرب الخلق إلى اللّه تعالى السالكون آثاره بحسن الخلق‏.‏

- ‏(‏حم ع طب‏)‏ وكذا ابن أبي الدنيا ‏(‏عن جابر بن سمرة‏)‏ قال‏:‏ كنت في مجلس فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم وسمرة وأبو أمامة فقال إن الفحش إلخ قال الحافظ العراقي إسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله ثقات وقال المنذري بعد عزوه لهم إسناد أحمد جيد‏.‏

2083 - ‏(‏إن الفخذ عورة‏)‏ أي من العورة سواء كان ذكر أو أنثى حراً أو قيناً فيجب ستر ما بين السرة والركبة-أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في حق الذكر والأمة في الصلاة وأما الحرة فيجب ستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين في الصلاة ومطلقاً خارجاً وكذا الأمة والرجل أي عورة كل منهما جميع بدنه بالنسبة للأجانب في حق الأنثى والأجنبيات في حق الذكر وأما في الخلوة فعورة الأنثى ولو أمة ما بين السرة والركبة وعورة الذكر السوءتان- ويحرم النظر إليه من ذكر أو أنثى إلا الحليل لكن يحل نظر العورة من صغير أو صغيرة لا تشتهى إلا الفرج عند الشافعية‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في اللباس ‏(‏عن جرهد‏)‏ بضم الجيم وآخره مهملة الأسلمي مدني له صحبة وكان من أهل الصفة وسببه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه برد فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أنه لا يوجد مخرجاً لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو عجيب فقد رواه أبو داود في الحمام عن جرهد المذكور وكان من أصاب الصفة قال جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عندنا وفخذي مكشوفة قال أما علمت أن الفخذ عورة وخرجه البخاري في تاريخه الكبير والترمذي في الاستئذان ‏[‏ص 379‏]‏ فإضراب المصنف عن ذا كله صفحاً واقتصاره على الحاكم وحده قصور وتقصير مستبين فلا تكن من المتعصبين‏.‏

2084 - ‏(‏إن القاضي العدل‏)‏ أي الذي يحكم بالحق ‏(‏ليجاء به يوم القيامة‏)‏ إلى الموقف ‏(‏فيلقى من شدة الحساب ما‏)‏ أي أمراً عظيماً ‏(‏يتمنى أن لا يكون قضى‏)‏ أي حكم ‏(‏بين اثنين‏)‏ أي خصمين حتى ولا ‏(‏في‏)‏ شيء تافه جداً نحو ‏(‏تمرة‏)‏ أو حبة بر أو زبيب لما يرى من ذلك الهول لكن ذلك لا يدل على انحطاط درجة العادل فمنزلة الولاية منزلة شديدة المقاساة أولاً والسلامة والغنيمة آخراً للعادل ومنزلة العطب لغيره‏.‏

- ‏(‏قط‏)‏-قوله قط أي فيما مضى من عمره فهي ظرف لما مضى من الزمان وفيها لغات أشهرها فتح القاف وضم الطاء المشددة، وإذا كان هذا في القاضي العدل وفي الشيء اليسير فما بالك بغير العدل والشيء الكثير، وكون قط ظرفاً هو ما في كثير من السنخ، وظاهر ما في كلام المتن أنها رمز للدارقطني فإنه ذكر قط والشيرازي بواو العطف- ‏(‏والشيرازي في‏)‏ كتاب ‏(‏الألقاب‏)‏ والكنى ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه عمران بن حطان قال العقيلي لا يتابع على حديثه‏.‏

2085 - ‏(‏إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا‏)‏ الميت ‏(‏منه‏)‏ أي من القبر أي من عذابه ونكاله ‏(‏فما بعده‏)‏ من أهوال المحشر والموقف والحساب والصراط والميزان وغيرها ‏(‏أيسر‏)‏ عليه ‏(‏منه وإن لم ينج منه‏)‏ أي من عذابه ‏(‏فما بعده‏)‏ مما ذكر ‏(‏أشد منه‏)‏ عليه فما يراه الإنسان فيه عنوان ما سيصير إليه ولا ينافيه قوله تعالى ‏{‏وإنما توفون أجوركم‏}‏ أي على طاعتكم ومعصيتكم يوم القيامة لأن كلمة التوفية يزيل هذا الوهم إذ المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور، ذكره في الكشاف‏.‏

- ‏(‏ت ه ك‏)‏ في الجنائز عن عبد اللّه بن بجير عن هانئ مولى عثمان ‏(‏عن عثمان بن عفان‏)‏ صححه الحاكم فاعترضه الذهبي بأن ابن بجير ليس بعمدة ومنهم من يقويه وهانئ روى عن جمع لكن لا ذكر له في الكتب الستة‏.‏

2086 - ‏(‏إن القلوب‏)‏ أي قلوب بني آدم جمع قلب وليس المراد بها هنا اللحم الصنوبري الشكل القار في الجانب الأيسر من الصدر فإنه موجود في البهائم بل لطيفة ربانية روحانية لها بذلك القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك والمخاطب والمطالب والمعاقب ولهذه اللطيفة علاقة بالقلب الجسداني وقد تحيرت عقول الأكثر في كيفية التعلق وأن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وتحقيق التعلق متعلق بعلوم المكاشفة لا بالعلوم النظرية ‏(‏بين أصبعين من أصابع اللّه يقلبها‏)‏ حيث شاء أي يصرفها إلى ما يريد بالعبد بحسب القدر الحاوي عليه المستند إلى العلم الأزلي بحسب خلق تلك الدواعي والصوارف فتصرفه سبحانه وتعالى في خلقه إما ظاهر بخلق يخرق العادات كالمعجزة أو بنصيب الأدلة كالأحكام التكليفية وإما باطن بتقدير الأسباب نحو ‏{‏ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد‏}‏ أو يخلق الدواعي والصوارف نحو ‏{‏كذلك زينا لكل أمة عملهم‏}‏ ‏{‏ونقلب أفئدتهم‏}‏ ‏"‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏"‏ أي طاعتك وعبر بالتثنية دون الجمع إشارة إلى أن الأصبعين هما ظهور القدرة الربانية بمظهري الخير والشر في قلب العبد لا أن للّه جارحة تعالى عن ذلك وعبر بالأصبعين دون اليدين لأن أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها فحركتها أسرع من حركة اليد وغيرها فلما ‏[‏ص 380‏]‏ كان تقليب اللّه قلوب عباده أسرع شيء خاطب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم العرب بما تعقل قال الكمال ابن أبي شريف وقوله كيف يشاء نصب على المفعول المطلق من قوله يقلبها والتقدير تقليباً يريده وهذا من أحاديث الصفات، وللناس في تلقيتها مذهبان أحدهما أن الإيمان بها وجب كالإيمان بمتشابه القرآن والبحث فيها بدعة وعليه أكثر السلف الثاني أن البحث عنها واجب وتأويلها بنحو ما تقرر متعين فراراً من التعطيل، وإمام هذه الطائفة المرتضى والحبر ومن على قدمهما من فقهاء الصدر الأول لأن اللّه سبحانه لم ينزل من المتشابه ما أنزل إلا ليعلم ورسوله لم يقل ما قال إلا ليفهم وبمعرفة المتشابه يتميز الفاضل من المفضول والعالم من المتعلم والحكيم من المتعجرف ومن آمن بالأخبار على ما جاءت به حيث ألبس عليه كنه معرفتها لا تجب عليه أن يردها رد منكر لها بل يؤمن ويسلم ويكلها إلى اللّه ورد متشابه التنزيل والسنة طريق هين يستوي فيه العالم والجاهل والسفيه والعاقل وإنما يظهر الفضل بالبحث واستخراج الحكمة والحمل على ما يوافق الأصول والعقول‏.‏

- ‏(‏حم ت ك عن أنس‏)‏ بن مالك قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول اللّه آمنا بذلك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم فذكره قال الصدر المناوي رجاله رجال مسلم في الصحيح‏.‏

2087 - ‏(‏إن الكافر ليسحب لسانه‏)‏ أي يجره وخص لتلفظه بكلمة الكفر ‏(‏يوم القيامة وراءه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس‏)‏ أي أهل الموقف فيكون ذلك من العذاب قبل دخوله دار العقاب، والقصد بهذا الخبر بيان عظم جثة الكافر في الموقف وأن له من العذاب ألواناً، والسحب الجر على الأرض يقال سحبته على الأرض سحباً من باب نفع جررته فانسحب وسمي السحاب سحاباً لانسحابه في الهواء، والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية وهو فارسي معرب والوطء الدوس بالرجل يقال وطئته برجلي أطؤه وطأ إذا علوته ووطئ زوجته جامعها لأنه استعلاء‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز وطئه العدو وطأة منكرة وفلان وطئ الخلق‏.‏

- ‏(‏حم ت‏)‏ في صفة جهنم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب وقال الترمذي غريب قال في المنار‏:‏ ولم يبين لم لا يصح وذلك لأنه من رواية الفضل بن يزيد وهو ثقة عن أبي المخارق عن ابن عمر وأبو المخارق هو معن العبدي وهو ضعيف انتهى، وقال العراقي سنده ضعيف إذ أبو المخارق لا يعرف وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف‏.‏

2088 - ‏(‏إن الكافر ليعظم‏)‏ أي لتكبر جثته في الآخرة ‏(‏حتى إن ضرسه لأعظم من أحد‏)‏ أي حتى يصير ضرسه أكبر من جبل أحد ‏(‏وفضيلة جسده‏)‏ أي زيادته وعظمه ‏(‏على ضرسه كفضيلة جبل أحد على ضرسه‏)‏ -أي نسبة زيادة جسد الكافر على ضرسه كنسبة زيادة أحدكم على ضرسه وأمر الآخرة وراء طور العقول فتؤمن بذلك ولا نبحث عنه- فإذا كان ضرسه مثل جبل أحد فجثته مثله سبعين مرة أو أكثر وقد استبعد هذا الخبر وما قبله قوم من الذين اتبعوا أهواءهم بغير علم ولا هدى إعجاباً برأيهم وتحكماً على السنة بعقول ضعيفة وأفهام سخيفة وما دروا أن اللّه سبحانه وتعالى لم يبن أمور الدنيا على عقول البشر بل أمر ونهى بحكمته ووعد وواعد بمشيئته ولو كان كل ما لا تدركه ‏[‏ص 381‏]‏ العقول غير مقبول لاستحالت أكثر واجبات الشرائع، ألا ترى أنه تعالى أوجب غسل جميع البدن من المني وهو طاهر، وأوجب غسل الأعضاء الأربعة من الغائط فقط وهو نجس منتن وأوجب بخروج يسير ما أوجب بخروج ريح يسير فبأي عقل يساوي ما لا عين له ما له عين قائمة بمحل واحد وأوجب قطع يد السارق في ربع دينار وقطعه في مئة ألف قنطار والقطع فيهما سواء وأوجب للأم الثلث فإذا كان للولد أخوة فالسدس من غير أن يرث الإخوة من ذلك شيئاً فبأي عقل يدرك هذا إلا تسليماً للشارع‏؟‏ وهذا باب واسع يطول تتبعه وإذا كان هذا في أمور الدنيا فما بالك بأمر الآخرة التي ليس معها شيء على نمط ما في الدنيا ولا يشبهه إلا في مجرد الاسم‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

2089 - ‏(‏إن‏)‏ المرأة ‏(‏التي تورث المال غير أهله عليها نصف عذاب‏)‏ هذه ‏(‏الأمة‏)‏ يعني المرأة إذا زنت وأتت بولد ونسبته إلى حليلها ليلحق به ويثبت بينهما التوارث وغيره من الأحكام عليها عذاب عظيم لا يقدر قدره ولا يكتنه كنهه وليس المراد أن عليها نصف عذاب هذه الأمة حقيقة بالتحديد بل المراد مزيد الزجر والتهويل ووصف عظيم عذابها وإلا فمعلوم أن إثم من قتل مئة مسلم ظلماً أشد عذاباً منها ومن دل الكفار على عقورات المسلمين فاستأصلوهم بالقتل والسبي والزنى بالنساء عالماً بأن ذلك كله سيكون من دلالته كابن العلقمي وزير الخليفة المعتصم الذي أغرى التتار عليه وعلى أهل الإسلام حتى كان منهم ما كان في بغداد وما والاها أعظم عذاباً منها‏.‏

- ‏(‏هب عن ثوبان‏)‏ مولى النبي صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

2090 - ‏(‏إن الذي أنزل الداء‏)‏ وهو اللّه تعالى ‏(‏أنزل الشفاء‏)‏ أي أنزل ما يحصل به الشفاء من الأدوية أو أنزل ما يستشفى به منه وما من شيء إلا وله ضد وشفاء الضد بضده وإنما يتعذر استعماله بالجهل بعينه أو بفقده أو قيام موانع أخر وكذا المرض والدواء ما يتداوى به كما مر والشفاء البرء من العلة‏.‏

- ‏(‏ك عن أبي هريرة‏)‏ وصححه‏.‏

2091 - ‏(‏إن‏)‏ الرجل ‏(‏الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة‏)‏ عند جلوسهم بمحلها لاستماع الخطبة والصلاة ‏(‏ويفرق بين اثنين‏)‏ قعدا لذلك بجلوسه بينهما ‏(‏بعد خروج الإمام‏)‏ ليصعد المنبر للخطبة ‏(‏كالجار قصبه‏)‏ بضم القاف أي أمعاءه والجمع أقصاب وقيل هو ما أسفل البطن من الأمعاء ‏(‏في النار‏)‏ أي له في الآخرة عذاب شديد مثل عذاب من يكون في النار وهو يجر أمعاءه فيها بمعنى أنه يستحق ذلك وقد يعفى عنه وهذا وعيد شديد يفيد تحريم التخطي والتفريق بين اثنين فإن رأى فرجة لا يبلغها إلا به جاز له أن يتخطى صفين لا أكثر فيحرم كما نص عليه الشافعي رضي اللّه تعالى عنه واختار في الروضة خلاف ترجيحه في المجموع الكراهة-واعتمد الرملي في التفريق أنه مكروه ووافقه الخطيب الشربيني فقال يكره تخطي الرقاب إلا لإمام أو رجل صالح لأن الصالح يتبرك به ولا يتأذى بتخطيه وألحق بعضهم بالرجل الصالح الرجل العظيم ولو في الدنيا قال لأن الناس يتسامحون بتخطيه ولا يتأذون به أو وجد فرجة لا يصلها إلا بتخطي واحد أو اثنين أو أكثر وإن لم يرج سدها فلا يكره له وإن وجد غيره لتقصير القوم بإخلائها لكن يسن له إن وجد غيرها أن لا يتخطى فإن رجى سدها كأن يتقدم أحد إليها إذا أقيمت الصلاة كره- والتفريق صادق بأن يزحزح رجلين عن مكانهما ‏[‏ص 382‏]‏ ويجلس بينهما‏.‏

- ‏(‏حم طب ك‏)‏ في المناقب ‏(‏عن الأرقم‏)‏ بن أبي الأرقم قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي بأن هشام بن زياد أحد رجاله واه وتعقب الهيثمي على أحمد والطبراني بأن فيه هشام بن زياد وقد أجمعوا على ضعفه اهـ وساقه في الميزان من مناكير رشدين‏.‏

2092 - ‏(‏إن‏)‏ المكلف ‏(‏الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب‏)‏ عبر بفي دون من لأن المحرم الأكل أو الشرب واضعاً فاه فيه لا متباعداً منه-هذا التعليل فيه نظر فتدبر‏.‏ اهـ- ‏(‏إنما يجرجر‏)‏ بضم التحتية وفتح الجيم-أي الأولى وسكون الراء بعدها جيم مكسورة أي يردد أو يصيب في بطنه نار جهنم بنصب نار على أنه مفعول به والفاعل ضمير الشارب والجرجرة بمعنى الصب وجاء الرفع على أنه فاعل والجرجرة تصويت في البطن أي تصوت في بطنه نار جهنم وفي الحديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مكلف رجلاً كان أو امرأة ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والاكتحال وسائر وجوه الاستعمال وكما يحرم استعمال ما ذكر يحرم اتخاذه بدون استعماله- ‏(‏في بطنه نار جهنم‏)‏ أي يرددها فيه من جرجر الفحل إذ ردد صوته في حنجرته ذكره في الفائق وفي رواية ناراً أي قطعة هائلة من نار جهنم جعل صوت شرب الإنسان الماء في هذه الآنية لكون استعمالها محرماً موجباً لاستحقاق العقاب كجرجرة نار جهنم في بطنه، وفي رواية ناراً من جهنم، وهي أبلغ بزيادة التنوين الذي للتهويل‏.‏

قال الغزالي‏:‏ النقد ليس في عينه غرض وخلق وسيلة لكل غرض فمن اقتناه فقد أبطل الحكمة وكان كمن حبس الحاكم في سجن وأضاع الحكم وما خلق النقد لإنسان فقط بل لتعرف به المقادير فأخبر تعالى الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات بخط إلهي لا حرف قبله ولا صوت له الذي لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة أخبر هؤلاء العاجزين بكلام سمعوه وفهموه من رسوله حتى وصلوا إليهم بواسطة الحرف والصوت المعنى الذي عجزوا عن إدراكه، فقال ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة‏}‏ الآية وكل من اتخذ النقد آنية فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالاً ممن كنزه فإنه كمن سخر الحاكم في نحو حياكة أو كنس فالحبس أهون فإن الخزف يقوم مقامه في حفظ الأطعمة والمائعات ففاعله كافر للنعمة بالنقد فمن لم ينكشف له هذا قيل له الذي يأكل أو يشرب فيه إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وأفاد حرمة استعماله على الذكور والإناث وعلة التحريم العين مع الخيلاء‏.‏

- ‏(‏م ه عن أم سلمة‏)‏ ورواه عنه البخاري في الأشربة بدون ذكر الأكل والذهب ‏(‏زاد طب‏)‏ في روايته ‏(‏إلا أن يتوب‏)‏ توبة صحيحة عن استعماله فإنه لا يجرجر حينئذ في نار جهنم‏.‏

2093 - ‏(‏إن‏)‏ الإنسان ‏(‏الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أراد بالجوف هنا القلب إطلاقاً لاسم المحل على الحال قال تعالى ‏{‏ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه‏}‏‏.‏

ذكره تصحيح التشبيه بالبيت الخرب كجوف الإنسان الخالي عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء اللّه ومحبته‏.‏

- ‏(‏حم ت ك عن ابن عباس‏)‏ قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وفاتهما أن فيه قابوس ابن أبي ظبيان ضعيف كما بينه ابن القطان والراوي عن قابوس جرير وفيه مقال فالصحة له محال ومن ثم استدركه الذهبي على الحاكم وقال قابوس لين وقال النسائي غير قوي‏.‏

2094 - ‏(‏إن‏)‏ المصورين ‏(‏الذين يصنعون هذه الصور‏)‏ أي التماثيل ذوات الأرواح ‏(‏يعذبون يوم القيامة‏)‏ في نار جهنم ‏[‏ص 383‏]‏ ‏(‏فيقال لهم أحيوا ما خلقتم‏)‏ أمر تعجيز أي اجعلوا ما صورتم حياته ذا روح -واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق على أن غير اللّه ليس بخالق حقيقة، وقد أجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس ذلك بجوهر وأما استثناء غير ذي الروح فورد مورد الرخص- ونسب الخلق إليهم تهكماً واستهزاء وهذا يؤذن بدوام تعذيب المصور لتكليفه نفخ الروح وليس بنافخ وهو على بابه إن استحل التصوير لكفره وإلا فهو زجر وتهديد إذ دوام التعذيب إنما للكفار‏.‏

- ‏(‏ق ن عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2095 - ‏(‏إن الماء طهور‏)‏ أي طاهر في نفسه مطهر لغيره ‏(‏لا ينجسه شيء‏)‏ مما اتصل به من النجاسات قال الرافعي‏:‏ أراد مثل الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة كانت واسعة كثيرة الماء وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغيرها فإن فرض تغير الكثير بنجس نجسه إجماعاً‏.‏ وقال الولي العراقي رحمه اللّه تعالى‏:‏ أل للاستغراق أو للعهد أي الماء المسؤول عنه وهو ماء بئر بضاعة ويعلم حكم غيره بالأولى أو لبيان الجنس أي أن هذا هو الأصل في الماء وطهور بفتح الطاء على المشهور لأن المراد به الماء وجاء في رواية ولا بإثبات الواو واستدل به المالكية على قولهم الماء لا ينجس إلا بالتغير وخصه الشافعية والحنابلة بخبر القلتين كما مر وأجمعوا على نجاسة المتغير‏.‏

- ‏(‏حم 3 قط هق عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال قيل يا رسول اللّه إنا نتوضأ من بئر بضاعة -بضم الباء وكسرها بثر معروفة بالمدينة والضاد معجمة، والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية وشدها أي خرق الحيض وفي رواية بالصاد المهملة أي الخرق التي يمسح بها دم الحيض، وعذر الناس بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة جمع عذرة وهي الغائط- وهي تلقى فيها دم الحيض ولحوم الكلاب والنتن فذكره وحسنه الترمذي وصححه أحمد وابن معين والبغوي وابن حزم وغيرهم من الجهابذة قال الحافظ ابن حجر رحمه اللّه‏:‏ فنفي الدارقطني أي في العلل ثبوته باطل‏.‏

2096 - ‏(‏إن الماء‏)‏ في رواية طهور ‏(‏لا ينجسه شيء‏)‏ نجس وقع فيه ‏(‏إلا ما‏)‏ أي نجس ‏(‏غلب على ريحه وطعمه ولونه‏)‏ الواو مانعة خلو لا جمع وفيه كالذي قبله أن الماء يقبل التنجيس وأنه لا أثر لملاقاته حيث لا تغير أي إن كثر الماء والتمسك بالأصل حتى نتيقن بتحقق رافعه‏.‏